كان الابن مُسرعًا
وفاتهُ الموعد.. وربي أعلم بأهمية موعده، ولأن والدته لم تغسل له قميصه ولم
تُحضّرهُ لهُ، صرخ في وجهها، ورفع يديه إظهارًا لغضبهِ!! وترك الغرفة وخرج مُتمْتِمًا
بكلماتٍ مُؤذيةٍ!! *********** وبعد برهة من الوقت
عاد الولد ليجد أمّهُ نائمة على كرسيها كالعادة وفي يدها رسالة، فأخذها وقرأ الأسطر
التي كتبتها وقد جاء فيها: ابني حبيبي، أنا
آسفة.. فقد أصبحتُ عجوزًا ترتعش يدي، فيسقط طعامي على صدري!! ولم أعد أنيقة
جميلة الرائحة كما كنتُ!!! فلا تحزن.. وأصبحتُ لا أقوى على لبس حذائي!! فساعدني،
ولا قدرة كافية عندي لتحملني قَدَمَيَّا إلى الحمّام!! فامسك بيدي حينها،
وتذكَّر كم أخذتُ بيدك لكي تتمكّن من المشي.
ابني حبيبي.. لا
تملّ من ضعف ذاكرتي وبطئ كلماتي، واعلم بأن سعادتي بأن أكون معك.. فلا تحرمني من
ابتسامتك، فأنا ببساطة أنتظر الموت!!!
ابني حبيبي.. كُن
بقربي حين أموت!!! كما كنتُ معك وبقربك حين وضعتك، وكن أنتَ آخر من أسمع صوته
يُلقّني الشهادتين في قبري!! نعم.. سأسمعك لكنك لن تسمعني!!!
فقال الولد: يا
الله، ماذا فعلتُ بك يا أماه؟؟؟ مسح دموعه في طرف ثوبها وأخذ يُقبّل يديها ويقول:
سامحيني يا أمي أرجوكِ سامحيني، لكن… هيهات هيهات!! فلا حياة لمن نادى
ويُنادي!!! كانت يدها باردة كالثّلج!! لقد قتلها بلفتةٍ مُؤذية منه
لم ير بها بأسًا!!! *********** قال الله تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ وقال أيضًا:
﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ *********** فانتبه أيها
الولد.. وراجع نفسك قبل فوات الأوان، تفكّر وتمَّعن في بعض محطات حياة أمك وهي
تفرح وتتألم بسعادةٍ لأجلك أنتَ.. وأنت لا تدري ولا تُقدّر..
فمن سنين مضت،
حملتك في أحشائها أشهرٍ عديدة كانت تُراعي أكلها ونومها لأجلك، لتنام أنت من غير
خوفٍ ولا قلقٍ!! ويرتاح قلبها لهناء نومك..
كانت تُعاني الآلام
فرحًا لقدومك وكادت أن تموت حين ولادتك لكن دموع فرحتها بطلّتك على الحياة غلبت
آلام ولادتك!! فبدأت رحلتها بالسهّر رعايةً لك، تخاف عليك من الهواء، تحضنّك
تشمّك، تتحسّسك تحزن لمرضك وتفرح لضحكتك، كم تعِبت لتراك تمشي على قدميك، وكم
عانت لتنطق الكلمات بلفظها السّليم. أظهرت جمالك بتحسين
مظهرك وبتسريحة شعرك، كانت تُحضّر لك الطعام الذي يُعجبك، توقظك للصلاة، وتحثّك
على حضور مجالس العلم خوفًا عليك، فهل جزاؤها بعد أن كبِرتَ أيها الولد بأن ترفع
صوتك عليها؟؟؟ ألأنك قوي وهي ضعيفة؟ أو لأنك أصبحت أطول
منها؟؟ كيف يطيب لك أن
تجرح مشاعرها؟؟ كيف ترفع يدك
بوجهها مُتأفّفًا وتنظر إليها نظرة غضب؟؟ ألأنها نهتْك عن
أمرٍ ليس فيه مصلحتك؟ أو عاتبتك عتاب
الحريص والخائف عليك حين تأخّرتَ، فقلِقتْ عليك ولأجلك؟؟؟ فهل هكذا يكون رد
الجميل؟؟ لا والله. *********** أيها الولد: اغتنم
وجود أمّك على قيد الحياة أيها الولد: لا تقتل
أمك بكلماتك ولا بأفعالك المؤذية!! فغياب الأم عن
أولادها لا يُعوّضه شيء!! هذا، مع اليقين بأن
الموت سيُفرّق بين الجميع لا محالة ولكن!!!!!! |
لكم منّي أرقّ التّحيات وأعطرها
وإلى أن نلتقي على الخير دائمًا
أترككم بحمى الرحمن
وكتب #محمد_الجنَّان_أبو_هيثم
أضف تعليق:
0 comments:
إرسال تعليق