المتابعون

الأحدث

القائمة

رسالة أُم زعلانة من ابنها

أم زعلانة، العمر الطويل، 9 أشهر، أحشائي، البشرى السعيدة، أمنيتي، سعادتي، تقاطيع، غضبك مدامعي، أمك الحزينة المقهورة
 منقولة للفائدة
رسالة أُم زعلانة من ابنها

قالت له: يا بني… هذه رسالة من قلب أمك المسكينة كتبتها لك على استحياءٍ وبعد تردّدٍ وطول انتظار، وقد أمسكت القلم مرات فحجزته وأوقفته الدمعة مراتٍ فجرى أنين القلب، فمن أنين قلبي أناديك.. يا بني بعد هذا العمر الطويل أراك رجلًا سويًا مكتمل العقل ومتزن العاطفة، فمن حقي عليك أن تقرأ هذه الأوراق، وإن شئت مزّقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل!! يا بني… منذ 25 عامًا كان يومًا مُشرقًا في حياتي، عندما أخبرتني الطبيبة أنني حامل، والأمهات يا بني يعرفن معنى هذه الكلمة جيدًا، فهي مزيج من الفرح والسرور، وبداية معاناة مع الكثير الكثير من التغيرات النفسية والجسمية وغير ذلك مما لا يسع في أوراقي القليلة، فبعد هذه البُشرى السعيدة حملتك في بطني وفي داخل أحشائي 9 أشهر، فرحانة بفرح لا أستطيع وصفه لك، كنت يا بني أقوم بصعوبةٍ آهٍ… وأنام بصعوبة آهٍ… وآكل بصعوبة آهٍ… وأتنفس بصعوبة آهٍ… ثم آهٍ ثم آهْ… ولكن ومع كل ذلك، لم تنقص محبتي لك ولا نقص فرحي بك وبموعد قدومك إلى هذه الدنيا، بل نَمتْ وترعرعت محبتك مع الأيام وازداد الشوق إليك ساعة بعد ساعة لا بل دقيقة تلو الدقيقة، حملتك يا بني وَهْنًا على وهن وألمًا على ألم، أفرح بحركتك داخل أحشائي وأنا متألمة!! آهٍ منك يا بني!! كنتُ أفرح بزيادة وزنك وهو حمل ثقيل عليَّ ثقيل!! آهٍ منك يا بني آهٍ. بعدها… جاء فجر تلك الليلة التي لم أنم فيها ولم يغمض لي جفن، وقد نالني من الألم والشّدة والرّهبة والخوف ما لا يصفه القلم ولا يتحدث عنه لساني، وكأنني أرى بعيوني أنواع الآلام من شدتها كنت كأني كنتُ أراها!! حتى خرجت من داخلي وظلمة أحشائي إلى نور الدنيا باكيًا عاريًا، فامتزجت دموع صراخك بدموع فرحي وزالت كل آلامي وجراحي، فمرت السنين وأنا أحملك هذه المرة في قلبي، وأغسلك بيدي وكنتَ عندي أغلى من الذهب جعلتَ لك حِجري فِراشًا وصدري مسندًا وحليبي غذاءً فسهرت الليالي لتنام، وأتعبت نهاري لتسعد، كانت أمنيتي أن أرى ابتسامتك. وكان عظيم سروري أن تطلب مني شيئًا لأصنعه لك وبه كانت سعادتي.. ومرَّت الليالي والأيام وهل تعلم يا ولدي ما معنى تلك الليالي والأيام!! لا يا حبيبي لا ولن تعلم!! وأنا على تلك الحال، خادمة لم تُقصّر بخدمتك، ومُرضعة لم تمتنع مرة، إلى متى بقيتُ أنا على هذا الحال؟ حتى اشتد عودك، واستقام شبابك، وبدت عليك معالم الرجولة، وبعدها ماذا؟ فإذا بي أذهب يمينًا وشمالًا لأبحث عن المرأة التي طلبت رضاها، فأتى موعد زفافك وتزوجتَ فتقطع قلبي وجرت مدامعي فرحة بحياتك الجديدة وحزنًا على فراقك، ومرت الأيام ثقيلة جدًا، فإذا بك لست ابني الذي أعرفه!! لقد أنكرتني وتناسيت حقي عليك!! فكانت تمر الأيام ولا أراك ولا أسمع صوتك وأصبحت تتجاهل من قامت بك خير قيام!! تناسيت من قامت بخدمك ولم تُقصّر، يا بني… لا أطلب منك إلا القليل، اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك وأبعدهم حظوة لديك، اجعلني يا بني إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق. يا بني… احدودب ظهري وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام، فلم أعد أقوم إلا بصعوبة ولا أجلس إلا بمشقة. لكن… ما زال قلبي ينبض بحبك. يا بني… لو أكرمك شخص يومًا لأثنيت على حسن صنيعه وجميل إحسانه، وأنا قد أحسنت إليك إحسانًا لم ولن تراه، ومعروفًا لا ولن تعرف قيمته، لقد خدمتك وقمت بأمرك سنوات وسنوات، فأين الجزاء والوفاء؟
ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟  يا بني… كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسروري ولكني أتعجب وأنت ولدي، أي ذنب جنيته حتى أصبحت كأنى العدو المتربص لك لا تطيق رؤيتي وتتثاقل عن زيارتي؟؟ هل أخطأتُ يومًا في معاملتك أو قصّرت لحظة في خدمتك؟؟ ولو يا حبيبي؟ اجعلني من جملة عمالك الذين تعطيهم أجورهم، وامنحني جزء من رحمتك ومُنَّ عليَّ ببعض أجري وأحسن إليَّ فإن الله يُحب المحسنين.

يا بني… أتمنى رؤيتك ولا أريد سوى ذلك، دعني أرى عبوس وجهك وتقاطيع غضبك، يا بني… تفطّر قلبي وسالت مدامعي وأنت حيٌ ترزق ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك وجودك وكرمك، ليتهم يعرفون ما أنت فاعل بي؟؟ لا    لا أحبهم أن يعرفوا عنك إلا الخير!! كل الخير. يا بني… أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق وألجمها الحزن، جعلت الكمد شعارها والغم دثارها وأنت الذي أجريت لها دمعًا وأحزنت لها قلبًا وقطعت معها رحمًا؟؟ اطمئن يا بنيّ فأنا لن أرفع الشكوى ولن أبث الحزن لمن حولي، لأنني أخشى أن يصيبك بسببها شؤم العقوق وتنزل بك العقوبة وتحل بدارك المصيبة، لا، لن أفعل.. لأنك ما تزال يا بني فلذة كبدي وريحانة حياتي وبهجة دنياي.. استيقظ يا بني… فلقد بدأ الشيب يعلو مفرقك، وستمر السنين وقد تصبح أبًا شيخًا والجزاء من جنس العمل. وقد تكتب رسائل لابنك بالدموع مثل ما كتبتها لك، وعند الله تجتمع الخصوم. يا بني اتق الله فيَّ، كفكف دموعي وواس حزني، وإن شئت بعد ذلك مزق رسالتي. واعلم أن من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها.

كتبتها أمك الحزينة المقهورة، في يومٍ كان عصيبًا ومؤلمًا جدًا.. على فكرة يا حبيبي: لعل والدك يكتب لك قريبًا مثلها!!! فلا حول ولا قوة إلا بالله..




لكم مني أرقُّ التَّحيات وأعطرها

وإلى أن نلتقي على الخير دائمًا

أترككم بحمى الرحمن

وكتب # محمد_الجنَّان_أبو_هيثم

شارك هذا المحتوى على:

واتساب
التالي
رسالة أحدث
السابق
هذا هو اقدم موضوع

أبو هيثم الجنَّان

أهلًا بكم في «مدونتي» التي تحتوي على مواضيع مختلفة، منها الدّينية والاجتماعية، وخواطر وقصص مختلفة، وغيرها مثلها، مُتمنيًا أن تنال إعجابكم، لكم مني أنا محمد الجنَّان، أرقّ التّحيات وأعطرها، وإلى أن نلتقي على الخير دائمًا، أترككم بحمى الرحمن «أبو هيثم»

أضف تعليق:

0 comments: