أولادي أقماري مهجة
قلبي وفلذة كبدي هيثم لبابة طه حفظكم ربي أينما
كنتم، ووفّقكم إلى كل خيرٍ حيثما وجّهتم وجوهكم ووضعتم أقدامكم، اللهم ءامن. سأكتب لكم شيئًا عن حياتي بعد أن تخطّيتم سن الطفولة ووصلتم لمرحلة الشباب من أعماركم! سأكتب لكم (من وعن) جزء يسير من حياتي التي عشتها قبل أن أعرفكم، وقبل أن أُفكّر يومًا بأنني سأكون زوجًا لوالدتكم الحجّة صبيحة، حفظكم ربّي وإيّاها من شر الأشرار وكيد الفُجّار. وسأترك لكم المقارنة بين حياتي التي عشتها قبلكم، وبين حياتكم التي تفضّل الله عليّ بها وأمّنتها وهيّأتها لكم، ولا يسعني يا أولادي من باب العرفان بالجميل لأهله إلا وأن أذكر لكم أصحاب الفضل عليَّ بزواجي واستقراري في حياة عائلية، كنتم أنتم والسيدة والدتكم ثمرتها، فأصحاب الفضل هم ثلاثة، سأذكر منهم اثنين وأترك الثالث لاعتبارات خاصة. الأول: #جمعيتي التي لي شرف الانتماء إليها ((جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية المباركة)) الثاني: صديقي الأستاذ أبي حسن الزعتري الذي أعتبره أخي الذي لم تلده أمي. جزاهم الله خير الجزاء على ما تفضلوا به عليَّ، مع عجزي عن ذكر وتعداد فضلهم وأفضالهم، جزاهم الله عني خير الجزاء. هذا مع اعترافي بتقصيري تجاهكم بسبب جهلي أولًا، ولعدم اتّباعي نصائح أهل الفضل والرأي!! وعلى رأسهم وأوّلهم شيخنا العبدري رحمات الله عليه. الذي كان نِعمَ
المُوجّه والمُربّي والنّاصح الأمين والشّفوق عليّ وعلى جميع أتباعه، حشرني الله
وإيّاكم في زمرته، اللهم ءامين. فمن جهلي لم أفهم
ولم أَعِ عظيم نصائحه القيّمة التي كان رحمه الله يُمليها علينا، فَفَهِمَ من
فهم من أقراني وأنا لم أفهم!! لذلك قصّرت معكم في محطات حياتي، لكنني خرجت بنفعٍ
عظيمٍ لكم، نفع كبير وكبير جدًا إن تمسكتم به وثبتم عليه، وأحسنتم العمل،
واستثمرتم حياتكم به، وأعني ((علم التّوحيد والعقيدة الحقّة)) عقيدة أهل السنة
والجماعة التي زرعتها بكم وبعقولكم وفي أعماق قلوبكم بفضل الله، وشرحتها لكم
كلمة كلمة، وأظّنكم ما زلتم تذكرون كيف كنت أراجع لكم الدروس، وكيف كنت أعمل لكم
امتحان خطي في درس العقيدة من: وأظنكم ما زلتم تذكرون كيف كان تشجيعي لكم بالعطايا التي كنت أعطيكم إيّاها إن كان حفظكم وتسميعكم جيدًا، ومنها: (حبّة بونبونة أو حبّة شوكولا) أو أعطيكم (250 أو 500 ليرة) (كم كان لها قيمة في زمان طفولتكم) والآن دعوني أسرد لكم كيف نشأت وترعرعت في صغري،
وما هي بعض ((أحلام حرماني)) التي عشتها في حياتي، والتي من حبي لكم، لم أترككم
تعيشونها مثلي، بل حوّلتها لكم إلى واقع عشتم وترعرعتم فيه بقصدٍ مني، ولا شك بأن
التوفيق من الله عز وجل. فليقرأ كل واحد
منكم كلامي في ساعة صفاءٍ وهدوء بالٍ وعلى طريقته، يقرأ بعقله وبقلبه لأكثر من
مرة!! فلكل واحد منكم طريقته بالقراءة، وليقارن كل واحد منكم بحسب شخصيته: بين حياته التي
عاشها في صغره. وبين الحياة التي
عشتها في صغري!! لقد فتّحت عيوني
وأنا أعيش في بيت خالي حمدو رحمه الله رحمةً واسعةً، ولم أعرف السبب إلا عندما
كبرت، حيث كانت حياتي ومعيشتي في بيته من شدة فقر والدي!! ولقرب المسافة بين
بيتنا وبيته في برج أبي حيدر!! وما أسرده لكم أكتبه بصدقٍ وواقعية، عن واقع عشته
من غير أن أعرف مستوى فقر عائلتي الكبير، إلا بعد زمنٍ طويلًا!! فأنا لم أحظ
بتربية ورعاية أبوية بالمرة!!! وحتى لا أشغلكم في هذا الشق من حياتي، سأتركه
وأسرد لكم ما كان من ((أحلام حرماني)) الذي أبعدتكم عنها قدر استطاعتي وأنتم لا
تشعرون أقول!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آكل على طاولة (سفرة) إذ كنت أتناول الطعام على الأرض،
ثم على شي يُسمّى "صدر" يصنع من القش، ومن بعده صرنا نأكل على
"صدر" معدني. فحين كنت أشاهد جيراني أو عندما أزور رفاقي وأراهم
يأكلون على طاولة سفرة، كنت أشعر بغصة ومعها الحسرة!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آخذ طعامي إلى المدرسة "بالسطيلة" كغيري من
التلاميذ، فأنا كنت آخذ طعامي بشنطة الكتب!!! على فكرة، كان طعامي بصورة دائمة، "كدّوشة" زعتر وزيت، (( الله أعلم ما هو نوع الزيت الذي أكلته وعشت عليه!! )) أو "كدّوشة" ماء وسكر!! وبكل تأكيدٍ كانت "كدوشتي" بالخبز العربي، وليس بالخبز الإفرنجي!!! الذي كان أيضًا من أحلام حرماني!! من أحلام حرماني التي عشتها في حياتي، أن أذهب للمدرسة بالباص "الأوتوكار" فمن فقر عائلتي كنت أذهب مشيًا، من منطقة الشياح إلى منطقة برج أبو حيدر!!! وكم كنت أرى بعيون رفاقي نظرة الفخر وتعظيم أنفسهم حين يأتون للمدرسة "بالأوتوكار" من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آكل لحم بعجين!! ولطالما اشتهيتها أثناء عملي مناقيش
الزعتر في الفرن، فكنت أرى البعض يعملون لحمة بعجين، فكنت أشتهيها بغصّة وألمٍ!!
ولم أكن قادرًا على تذوقها ولا على شرائها!! ولا على طلبها من أهلي!!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آكل لحمة مشوية، ولطالما اشتهيها من بعيدٍ لبعيد!! وأكثر
ما كنت اشتهيها، كان أثناء مروري بشارع النويري، فكنت أشم رائحتها تتغلل في
أعماقي، فرائحتها معروفة ومميزة عن غيرها من الروائح، فأشتهيها ولا آكلها،
هيهات!! فاللحمة المشوية لم تكن من طعامي طيلة حياتي مع أهلي. من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آكل: "كدوشة"
جبنة "Picon" "كدوشة"
جبنة "حلوم" "كدوشة"
مربى وزبدة. حيث انطبع في خزان حبي
لهذه الأكلات من طريق كلام رفاقي عنها، ومن كثرة ما كنت أرى غيري يأكلها إلا
أنا!! وخاصة كدوشة المربى والزبدة، فكنت أسمع رفيقي يقول: أنا
"كدوشتي" ( مربى وزبدة ) ولأنني لا أعرف طعم المربى ولا طعم الزبدة
ولا طعمهما معًا!! ولكن من طريقة الكلام وذكره بفرحٍ لكلمة ( مربى وزبدة ) انطبع
في ذهني أن هذين الغرضين شي طيب كتير!!! من أحلام حرماني التي عشتها في حياتي، أن انتعل حذاء رياضي من النوع الأصلي المشهور!! متل (Adidas أو Puma) ولكن هيهات هيهات!! وقد انطبع في مستودع حبي لهذا النوع من الأحذية، حين كنت أرى بعض الرفاق يتحدثون عن أحذيتهم الرياضية المشهورة بفرح وسعادة تُشعرني كم هي (شي كتير منيحة) فكان ذهني يُقارن بينها وبين ما وعيت عليه في صغري، وهو الحذاء الشعبي والأرخص ثمنًا في ذاك الزمن، يُقال عنه ( صباط رياضة ) على فكرة: ( لا علاقة له بأي نوعٍ من أنواع الرياضة!! ) من أحلام حرماني التي عشتها في حياتي، أن آكل الفاكهة عمومًا! وعلى الخصوص "المانغا" و"الفريز" وقد دخل حب "المانغا" إلى قلبي من كثرة ما كنت أسمع عن لذتها من غير أن أراها!! لأن وجودها كان نادرًا جدًا ( مش متل هلق ) وأما الفريز فكنت أراه وأسمع عنه ولا آكله، فتأثرت وأحببته من كثرة الحديث عنه، ومن جميل رائحته المميزة!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أن آكل صحن فول برغيف خبز منفوخ خارج من الفرن
"طازة" وبخار سخونته يتراقص أمام بصري!! وقد انطبع في مستودع حبي
"لصحن الفول" من كثرة مشاهدتي للأساتذة يأكلونه أمامنا في المدرسة
ونحن نتفرج عليهم من غير أن ينتبهوا للألم المعنوي الذي كنت أشعر به، كنت أتألم لطعام أراه وأشتهيه، لا أقدر أن أتذوقه ولا أن أشتريه!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أنني عندما كبرت لم أجد في مستودع ذاكرتي، أنني اشتريتُ لأمي
ربطة كاملة من الخبز الطازج والساخن، كما كنت أراه مع الآخرين وأحلم به!! وإنما
الثابت في ذاكرتي قولها رحمها الله رحمةً واسعةً: ( محمد، روح ع الفرن وجيب خبز
"لاطي" ) ولفظ "لاطي" ما كنت أعرف معناه، ولا السبب بأن لا
أشتري غيره!! حتى كبرت وعرفت أنه الخبز الأرخص!! ولا يشتريه إلا الفقراء!! من أحلام حرماني
التي عشتها في حياتي، أنني عندما كبرت، لم أجد في مستودع ذاكرتي، أنني اشتريتُ لأمي
كيلو لحمة!! لا "كفتة" ولا غيرها من أصناف اللحم التي عرفتها على كبر وبعد زمن طويل!!! وإنما المنطبع في
ذهني ومستودع ذاكرتي، بأنها رحمها الله، كانت ترسلني لأشتري لها "أوقية"
لحمة "زور" من غير أن أعرف معنى كلمة "زور" ولكن المحفور في
قلبي، صوت أمي وهي تُشدّد عليَّ أن أقولها للحام ( بدي وقية زور ) إلى أن كبِرتُ
وعرفتُ أنها من أرخص أجزاء لحم العجل الذي يؤكل ويباع عند اللحام!! من أحلام حرماني التي عشتها في حياتي، أنني لم أعرف طعم البقلاوة طيلة طفولتي!!! لم أتذوقها إلا عندما كبرت!!! لم أعرف طعم البقلاوة ولا اسمها إلا عكبري!! حينها عرفت طعمها واسمها: البلّورية، بصمة، عش البلبل، حدف، برمة،
أخيرًا أحب أن أذكركم بشهادتكم
وأقوالكم واعترافكم أنتم، أنني لم أحرمكم ما انحرمت منه!! ولم أبخل عليكم بما
اشتهيته وانحرمت منه، وكان من أحلامي في صغري!! فاعترفتم بكلامكم بأنني لم أترككم
تحلمون يقظةً بوجبة طعام، ولا تركتكم تنامون وأنتم بها تحلمون!! فأنا ما زلت
أذكر كلماتكم، التي تعبّر على أنكم عشتم مرحلة الطفولة والمرحلة التي تليها
مباشرةً وأنتم تقولون: زهقنا الدجاج، لأ، ما جاي عبالي مشاوي، هيديك الجمعة أكلنا
مشاوي!! فالحمد لله أنكم
شبعتم على سفرة أبيكم.. والآن جاء دوري
لأخبركم بأمنيتي التي «لن» يُحقّقها لي غيركم، وأرجو ألا تحرموني منها فيما بقي
من حياتي، ولا فيما سأقضيه في (البرزخ)!! فإيّاكم أن تحرموني من هداياكم إيّاكم!!
أولادي أحبتي أقماري:
«هيثم» «لبابة» «طه» أكثروا من
الاستغفار لي وأنا على قيد الحياة، وزيدوا الاستغفار أكثر، مع غيره من (الهدايا
والأدعية) بعد مماتي ودفني في قبري، فإيّاكم أن تتركوني وتحرموني من هداياكم
مهما طال عمركم وكبرتم، وإن شاء الله يطول مع حسن حالكم. لكم مني أرق
التحيات وأعطرها وإلى أن نلتقي على
الخير دائمًا أترككم بحمى الرحمن #محمد_الجنَّان #أبو_هيثم |
من مستودع ذاكرتي أنبش أحلام حرماني
لاطي, زور, خبز, لحمة مشوية, مانغا, فلايز, صحن فول, ربطة خبز,
أضف تعليق:
0 comments:
إرسال تعليق