المتابعون

الأحدث

القائمة

ءافات اللسان


آفات اللسان للدكتور خالد الملكاوي حفظه ربي من كل سوء
 الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى ءاله وأصحابه أولي الوفا وبعد: 
فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
" إذا سمعت قول الله تعالى ( يا أيها الذين ءامنوا ) فأرعه سمعك (أي انتبه لما يقول) فإنه إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه " يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا { يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) سورة الأحزاب آية 70-71
ولقد أنعم الله تعالى علينا بنعم كثيرة لا نحصيها، ومن جملتها نعمة اللسان، وقد أوجب الله علينا أن نشكره على نعمه، والشكر نوعان :
·                     شكر واجب
·                     وشكر مندوب
فالشكر الواجب: هو أن لا تعصي الإله بنعمته أي أن لا تستعمل نِعم الله عليك في معصيته، وقليل من الناس على هذا الحال كما قال ربنا : ( وقليل من عبادي الشكور ) سورة سبأ آية 13
أي قليل من العباد من يشكر الله الشكر الواجب.
وأما الشكر المندوب: فهو الثناء على الله باللسان كقول الحمد لله والشكر لله، فيجب علينا أن نحفظ ألسنتنا من قبيح الكلام فقد قال الله تبارك وتعالى : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) سورة ق آية 18
معناه: أن الله تعالى وكَّل ملائكة يكتبون أقوال وأفعال العباد، فرقيب يكتب حسنات العباد وعتيد يكتب سيئاتهم، وهذان الملكان لا يفارقان الإنسان إلا في حالتين:
·                     لما يدخل الخلاء ليقضي حاجته
·                     ولما يأتي زوجته
وحتى في هاتين الحالتين الله تعالى يُطلعهما على قول العبد وعلى فعله ونيته، ولم يرد في الحديث أن رقيب يكون على الكتف الأيمن وعتيد على الأيسر، وإنما الذي ورد أن رقيب يكون على جهة اليمين وعتيد على جهة الشمال، وفي الآية تحذير من الله لعباده من أن يتكلموا بما يخالف الدين، وأن كل كلمة يقولها العبد يكتبها الملك فينبغي على العبد أن يحفظ لسانه عن الكلام الذي يخالف شرعه عز وجل.
فإن العبد إذا تكلم كتب إما له وإما عليه، وقد أمرنا القائد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم أن نقلل من الكلام إلا ما كان فيه خير بأحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: " من صمت نجا " وقوله أيضا فيما رواه الشيخان: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " وقوله عليه السلام: " عليك بطول الصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك " وقوله أيضا فيما رواه الطبراني: " إنك لم تزل سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك "
ومعنى هذا الحديث أن الإنسان إذا كان صامتا هو بخير فإن تكلم سجل ما قد تكلم به، وليس كما يقول بعض الناس في الحث على كثرة الكلام بقولهم ( تكلم فإن الكلام ما عليه جمرك !! )
إنما الأمر كما قال تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) كثير من الناس يهلكون أنفسهم بسبب ألسنتهم لا سيما عند الغضب والمزح وكما قال الشاعر: احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهابُ لقاءه الشجعان .
وقد روى ابن حبان أن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:
قلت يا رسول الله أخبرني بشئ أعتصم به فقال عليه السلام: " قل ءامنت بالله ثم استقم " قلت يا رسول الله ما أشد ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله بلسان نفسه وقال: " هذا " أي أن لسانك هو أشد ما أتخوفه عليك، فحفظ اللسان يا عبد الله أمر مهم، وأكثر ما يكون سببا في هلاك الناس في الآخرة ألسنتهم، 
وقد جاء في الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصبح ابن ءادم فإن أعضاءه تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا " فعلى العبد أن يفكر بما يريد قوله قبل أن يتكلم فإن كان خيرا قاله وإلا كف لسانه عنه، فمن عوّد لسانه على قول الخير اعتاد عليه ومن عوده على الكلام البذيئ اعتاد عليه، ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي " رواه الترمذي.
وحفظ اللسان يكون عن كل ما حرم الله قوله، ومن ذلك :
·       الغيبة
·       شهادة الزور
·       النميمة
·       الشتم
·       البهتان
·       اللعن
·       الكذب
·       وأكبر المحرمات وأخطرها هو :
الكفر بأنواعه الثلاث :
·       الفتوى بغير علم
1.      الكفر القولي
·       اليمين الكاذبة
2.      الكفر الفعلي
·       ألفاظ القذف
3.      الكفر الاعتقادي
1.    الكفر القولي : كمسبة الله أو نبي من أنبياء الله أو ملك من الملائكة الكرام، أو مسبة دين الإسلام أو
أي لفظ فيه استخفاف بالله أو ملائكته أو رسله أو شئ من شعائر دينه،
2.    الكفر الفعلي : كإلقاء المصحف في القاذورات
3.    الكفر الاعتقادي : كاعتقاد المثيل أو الشبيه لله، كاعتقاد أن الله جسم له أعضاء أو أنه روح أو أنه نور
بمعنى الضوء أو اعتقاد أن المولى عز وجل يسكن في جهة من الجهات كاعتقاد أنه يسكن السماء أو يجلس على العرش أو أنه في كل مكان بذاته والعياذ بالله، فربنا تعالى منزه عن صفات المخلوقين، فهو موجود لا شك في وجوده موجود بلا كيف ، موجود بلا مكان، مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك ، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .
وهنا قال العلماء : أن من صدر منه شىء من أقسام الكفر هذه فعليه الرجوع فورًا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين بقولِ [ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ]
ولا يُعذر الشخص بالغضب أو الجهل أو المزح، والدليل على ذلك قوله تعالى:
( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءايته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) سورة التوبة آية 65-66
وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي وحسنه: " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا " أي مسافة سبعين عامًا في النزول وذلك منتهى جهنم وهو خاص بالكفار، ومن وصل إلى قعر الجحيم فهو خالد مخلد في النار، وبعض الناس لا يبالون ولا يهتمون بضبط ألسنتهم وحفظها عن الكفر فيسارعون إلى التسخط على الله عند أي حادث يقع لهم أو مصيبة تحل بهم، وهم في الحقيقة يوقعون أنفسهم في الكفر الذي هو أكبر ذنب يقترفه العبد وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه قال تعالى:
( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) سورة البقرة آية 217
فماذا يجني هؤلاء المتهورون الهالكون حين يسبون الله أو يستهزؤون بأنبياء الله أو أي أمر معظم في الدين ثم يقولون ما قصدنا، ما انشرحت صدورنا لما قلنا، كنا غاضبين، كل هذا ليس عذرا لهم، بل من الناس والعياذ بالله من يقول: أنا لا أهدأ إذا غضبت إلا إذا سبب الله أو الدين، هؤلاء خاسرون إن لم يتوبوا إلى الله بالرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين . 
وقد جاء في معجم الطبراني أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه وقال: يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه " فاللسان أيها الإخوة الكرام خطره شديد جدًا، وأكثر العداوات سببها اللسان، وأكثر الخصومات سببها اللسان ، وأكثر أسباب التباغض والتقاطع من اللسان ، وكثير من الكفر يكون بسبب اللسان، والذي يكثر من الكلام الذي لا خير فيه يكون أكثر عرضه لهذا ، والنفس لها شهوة كبيرة في الكلام الذي تهواه من غير تفكير في عاقبته، فاللسان كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: " جِرمُهُ صغير وجُرمُهُ كبير " وقال الإمام ابن حبان: " يا ابن ءادم أنصف لسانك من أذنيك واعلم إنما جعل لك لسان وأذنان لتسمع أكثر مما تقول "
فلسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصائحُ جميلة منها أنه قال:
·       من كثر ضحكه قلت هيبته
·       ومن أكثر من شىء عرف به
·       ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه
·       ومن قل حياءه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه
هذا … ويروى أن رجلا من الصالحين واسمه الشيخ إبراهيم رحمه الله تعالى : أنه مر على شاب جالس تحت شجرة فكلمه فلم يرد عليه وإنما كتب له على التراب الآتي:
منع اللسان من الكلام لأنه
كهف البلاء وجالب الآفات
فإن نطقت به فكن لربك ذاكرًا
لا تنسه واحمده في الحالات
فكتب له:
وما من كاتب إلا سيبلى
ويبقي الدهرُ ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شىء
يسرك في القيامة أن تراه
فلما قرأ الشاب ما كتب الشيخ شهق شهقةً ومات !!
فقام الرجل ليجهزه فسمع صوتًا لا يرى شخصه يقول:
خل عنك يا إبراهيم فإنه موعود أن لا تغسله إلا الملائكة .
قال: فركعتُ عند الشجرة ركعات فنظرت إليه فلم أجده. ( فكم من العبر فيها هذه القصة ؟ )
وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة فقال: " تقوى الله وحسن الخلق " وسُئل عن أكثر ما يُدخل الناس النار فقال: " الفم والفرج " رواه الترمذي
ويقول عليه الصلاة والسلام:
خصلتان ما إن تجمل الخلائق بمثلهما حسن الخلق وطول الصمت . رواه ابن أبي الدنيا .
نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا ألسنتنا وأن يقينا شر المهالك
إنه نعم المولى ونعم النصير وعليه تكلاننا وإليه المصير .
والحمد لله رب العالمين

شارك هذا المحتوى على:

واتساب

أبو هيثم الجنَّان

أهلًا بكم في «مدونتي» التي تحتوي على مواضيع مختلفة، منها الدّينية والاجتماعية، وخواطر وقصص مختلفة، وغيرها مثلها، مُتمنيًا أن تنال إعجابكم، لكم مني أنا محمد الجنَّان، أرقّ التّحيات وأعطرها، وإلى أن نلتقي على الخير دائمًا، أترككم بحمى الرحمن «أبو هيثم»

أضف تعليق:

0 comments: